سورة القصص - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (القصص)


        


{ولمَّا بلغ أشُدَّه} قد فسرنا هذه الآية في سورة [يوسف: 22]، وكلامُ المفسرين في لفظ الآيتين متقارب، إِلا أنهم فرَّقوا بين بلوغ الأشُدِّ وبي الاستواء؛ فأما بلوغ الأشُدِّ، فقد سلف بيانه [الانعام: 152].
وفي مدة الاستواء لهم قولان:
أحدهما: أنه أربعون سنة، قاله مجاهد، وقتادة، وابن زيد.
والثاني: ستون سنة، ذكره ابن جرير. قال المفسرون: مكث عند أمِّه حتى فطمته، ثم ردَّته إِليهم، فنشأ في حِجْر فرعون وامرأته واتخذاه ولداً.
قوله تعالى: {ودخل المدينة} فيها قولان:
أحدهما: أنها مصر.
والثاني: مدينة بالقرب من مصر.
قال السدي: ركب فرعون يوماً وليس عنده موسى، فلما جاء موسى ركب في إِثره فأدركه المَقِيل في تلك المدينة. وقال غيره: لمَّا توهَّم فرعون في موسى أنَّه عدوُّه أمر باخراجه من مدينته، فلم يدخل إِلا بعد أن كَبِر، فدخلها يوماً {على حين غفلة من أهلها}. وفي ذلك الوقت أربعة أقوال.
أحدها: أنَّه كان يوم عيد لهم، وكانوا قد اشتغلوا فيه بلهوهم، قاله عليٌّ عليه السلام.
والثاني: أنه دخل نصف النهار، رواه جماعة عن ابن عباس، وبه قال سعيد ابن جبير.
والثالث: بين المغرب والعشاء، قاله وهب بن منبِّه.
والرابع: أنَّهم لمَّا أخرجوه لم يدخل عليهم حتى كَبِر، فدخل على حين غفلة عن ذِكْره، لأنَّه قد نُسي أمرُه، قاله ابن زيد.
قوله تعالى: {هذا مِنْ شِيعته} أي: من أصحابه من بني إِسرائيل {وهذا مِنْ عدوِّه} أي: من أعدائه من القِبط، والعدوّ يُذْكَر للواحد وللجمع. قال الزجاج: وإِنما قيل في الغائب: {هذا} و{هذا}، على جهة الحكاية للحضرة؛ والمعنى: أنه إِذا نظر إِليهما الناظر قال: هذا مِنْ شِيعته، وهذا مِنْ عدوِّه. قال المفسرون: وإِنَّ القِبطي كان قد سَخَّر الإِسرائيليَّ أن يحمل حطباً إِلى مطبخ فرعون {فاستغاثه} أي: فاستنصره، {فوكزه} قال الزجاج: الوَكْز: أن يضربه بجميع كفِّه. وقال ابن قتيبة: {فوكزه} أي: لَكَزَهُ، يقال: وَكَزْتُه ولَكَزْتُه ولَهَزْتُه: إِذا دفَعْته، {فقضى عليه} أي: قتله؛ وكلُّ شيء فرغت منه فقد قضيته وقضيت عليه. وللمفسرين فيما وكزه به قولان:
أحدهما: كفّه، قاله مجاهد.
والثاني: عصاه، قاله قتادة.
فلمَّا مات القِبطي ندم موسى لأنه لم يُرِد قتله، و{قال هذا مِنْ عمل الشيطان} أي: هو الذي هيَّج غضبي، حتى ضربتُ هذا، {إِنَّه عَدُوٌّ} لابن آدم {مُضِلٌّ} له {مُبِينٌ} عداوته. ثم استغفر ف {قال ربِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نفسي} أي: بقتل هذا، ولا ينبغي لنبيّ أن يقتُل حتى يُؤْمَر. {قال ربِّ بما أنعمتَ عليَّ} بالمغفرة {فلن أكون ظهيراً للمُجْرِمِين} قال ابن عباس: عوناً للكافرين، وهذا يدلُّ على أن الإِسرائيليَّ الذي أعانه موسى كان كافراً.


قوله تعالى: {فأصبح في المدينة} وهي التي قتل بها القِبطيَّ {خائفاً} على نفسه {يترقَّب} أي: ينتظر سوءاً يناله منهم ويخاف أن يُقتل به {فاذا الذي استنصره بالأمس} وهو الاسرائيلي {يستصرخُه} أي: يستغيث به على قِبطي آخر أراد أن يسخِّره أيضاً {قال له موسى} في هاء الكناية قولان:
أحدهما: أنها ترجع إلى القِبطي.
والثاني: إِلى الإِسرائيليّ، وهو أصح.
فعلى الأول يكون المعنى: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ} بتسخيرك وظلمك.
وعلى الثاني فيه قولان:
أحدهما: أن يكون الغَوِيُّ بمعنى المُغْوِي، كالأليم والوجيع بمعنى المؤلِم والموجِع، والمعنى: إِنَّكَ لمُضِلٌّ حين قتلتُ بالأمس رجلاً بسببك، وتَدْعوني اليوم إِلى آخر.
والثاني: أن يكون الغوي بمعنى الغاوي؛ والمعنى: إِنك غاوٍ في قتالك من لا تُطيق دفع شرِّه عنك.
قوله تعالى: {فلمَّا أن أراد أنْ يَبْطِشَ بالذي هو عدوٌّ لهما} أي: بالقِبطي {قال يا موسى} هذا قول الإِسرائيليّ من غير خلاف علمناه بين المفسرين؛ قالوا: لمَّا رأى الاسرائيليُّ غضبَ موسى عليه، حين قال له: {إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِين} ورآه قد همَّ أن يَبْطِش بالفرعونيِّ، ظنَّ أنَّه يريده فخاف على نفسه ف {قال يا موسى أتريد أن تقتُلَني} وكان قوم فرعون لم يعلموا مَنْ قاتِلُ القِبطي، إِلاَّ أنَّهم أَتَواْ إِلى فرعون فقالوا: إِن بني إِسرائيل قتلوا رجلاً مِنَّا فخُذ لَنَا بحقِّنا، فقال: ابغوني قاتله ومن يشهد عليه لآخذ لكم حقَّكم، فبينا هم يطوفون ولا يدرون مَنْ القاتل، وقعت هذه الخصومة بين الإِسرائيلي والقِبطي في اليوم الثاني، فلمّا قال الإِسرائيليُّ لموسى: {أتريد أن تقتُلني كما قَتَلْتَ نفساً بالأمس} انطلق القبطي إِلى فرعون فأخبره أنَّ موسى هو الذي قتل الرجل، فأمر بقتل موسى، فعلم بذلك رجل من شيعة موسى فأتاه فأخبره، فذلك قوله: {وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى}. فأمَّا الجبَّار، فقال السدي: هو القتَّال، وقد شرحناه في [هود: 59]، وأقصى المدينة: آخرها وأبعدها، ويسعى: بمعنى يُسرع. قال ابن عباس: وهذا الرجل هو مؤمن آل فرعون، وسيأتي الخلاف في اسمه في سورة [المؤمن: 28]. فأمّا الملأ، فهم الوجوه من الناس والأشراف.
وفي قوله: {يأتمرون بك} ثلاثة اقوال.
أحدها: يتشاورون فيك ليقتلوك، قاله أبو عبيدة.
والثاني: يَهُمُّون بك، قاله ابن قتيبة.
والثالث: يأمر بعضهم بعضاً بقتلك، قاله الزجاج.


قوله تعالى: {فخرج منها} أي: من مصر {خائفاً} وقد مضى تفسيره [القصص: 18].
قوله تعالى: {نجِّني مِنَ القومِ الظالمين} يعني المشركين أهل مصر.
{ولمَّا توجَّه تِلْقَاءَ مَدْيَنَ} قال ابن قتيبة: أي: تِجَاهَ مَدْيَن ونحوَها وأصله: اللِّقاء، وزيدت فيه التاء، قال الشاعر:
أمَّلْتُ خَيْرَكَ هل تأتي مَواعِدُهُ *** فاليومَ قَصَّرَ عن تِلْقَائك الأَملُ
أي: عن لقائك.
قال المفسرون: خرج خائفاً بغير زاد ولا ظَهْر، وكان بين مصر ومَدْيَن مسيرة ثمانية أيام، ولم يكن له بالطريق عِلْم، ف {قال عسى ربِّي أن يَهْدِيَني سَواءَ السَّبيل} أي: قَصْدَه. قال ابن عباس: لم يكن له عِلْم بالطريق إِلاَّ حُسْن ظنِّه بربِّه. وقال السدي: بعث الله له مَلَكاً فدلَّه، قالوا: ولم يكن له في طريقه طعام إِلا ورق الشجر، فورد ماءَ مَدْيَن وخُضرةُ البقل تتراءى في بطنه من الهُزَال؛ والأُمَّة: الجماعة، وهم الرعاة، {يَسْقون} مواشيهم {وَوَجد مِنْ دونهم} أي من سوى الأُمَّة {امرأتين} وهما ابنتا شعيب؛ قال مقاتل: واسم الكبرى: صبورا والصغرى: عبرا {تذودان} قال ابن قتيبة: أي: تكُفَّان غَنَمهما، فحذف الغنم اختصاراً. قال المفسرون: وإِنما فَعَلَتا ذلك ليَفْرُغ الناس وتخلوَ لهما البئر، قال موسى: {ما خَطْبُكما} أي: ما شأنكما لا تسقيان؟! {قالتا لا نَسْقِي} وقرأ ابن مسعود، وأبو الجوزاء، وابن يعمر، وابن السميفع: {لا نُسقي} برفع النون {حتى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ} وقرأ أبو عمرو، وابن عامر، وأبو جعفر: {يَصْدُرَ} بفتح الياء وضم الدال، أي حتى يرجع الرِّعاء. وقرأ الباقون {يُصْدِرَ} بضم الياء وكسرالدال، أرادوا: حتى يَرُدَّ الرِّعاء غنمهم عن الماء، والرِّعاء: جمع راعٍ، كما يقال: صاحب وصِحاب. وقرأ عكرمة، وسعيد بن جبير، وابن يعمر، وعاصم الجحدري: {الرُّعَاءُ} بضم الراء، والمعنى: نحن امرأتان لا نستطيع أن نزاحم الرجال {وأبونا شيخ كبير} لا يَقْدِر أن يَسْقيَ ماشيته من الكِبَر؛ فلذلك احْتَجْنَا نحن إِلى أن نسقيَ، وكان على تلك البئر صخرة عظيمة، فاذا فرغ الرِّعاء مِنْ سَقيهم أعادوا الصخرة، فتأتي المرأتان إِلى فضول حياض الرِّعاء فتَسْقيان غنمهما. {فسقى لهما} موسى.
وفي صفة ما صنع قولان:
أحدهما: أنه ذهب إلى بئر أُخرى عليها صخرة لا يقتلعها إِلا جماعة من الناس، فاقتلعها وسقى لهما، قاله عمر بن الخطاب، وشُريح.
والثاني: أنه زاحم القوم على الماء، وسقى لهما، قاله ابن إِسحاق، والمعنى: سقى غنمهما لأجلهما.
{ثم تولَّى} أي: انصرف {إِلى الظِّلِّ} وهو ظِل شجرة {فقال ربِّ إِنِّي لِمَا} اللام بمعنى إِلى، فتقديره: إِنِّي إِلى ما {أَنْزَلْتَ إِليَّ مِنْ خَيْرٍ فَقيرٌ} وأراد بالخير: الطعام. وحكى ابن جرير: أنه أسمع المرأتين هذا الكلام تعريضاً أن تُطْعِماه، {فجاءته إِحداهما} المعنى: فلمّا شربتْ غنمَهُما رَجَعَتا إِلى أبيهما فأخبرتاه خبر موسى، فبعث إِحداهما تدعو موسى.
وفيها قولان:
أحدهما: الصغرى.
والثاني: الكبرى. فجاءته {تمشي على استحياء} قد سترت وجهها بِكُمِّ دِرْعها.
وفي سبب استحيائها ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه كان من صفتها الحياء، فهي تمشي مشي مَن لم يعتد الخروج والدخول.
والثاني: لأنها دعته لتكافئَه، وكان الأجمل عندها أن تدعوَه من غير مكافأة.
والثالث: لأنها رسول أبيها.
قوله تعالى: {ليَجْزِيَكَ أجر ما سَقَيْتَ لنا} قال المفسرون: لمَّا سمع موسى هذا القول كرهه وأراد أن لا يتبعها، فلم يجد بُدّاً للجَهْد الذي به من اتِّباعها، فتَبِعها، فكانت الريح تضرب ثوبها فيصف بعض جسدها، فناداها: يا أَمَة الله، كوني خلفي ودُلِّيني الطريق، {فلما جاءه} أي: جاء موسى شعيباً، {وقَصَّ عليه القَصَصَ} أي: أخبره بأمره مِنْ حين وُلد والسبب الذي أخرجه من أرضه {قال لا تَخَفْ نجوتَ مِنَ القوم الظَّالِمِينَ} أي: لا سُلطان لفرعون بأرضنا ولسنا في مملكته. {قالت إِحداهما} وهي الكبرى: {يا أبت استأجِرْهُ} أي: اتَّخِذه أجيراً {إِنَّ خير من استأجرتَ القويُّ الأمينُ} أي: خير من استعملتَ على عملكَ مَنْ قَوِيَ على عملك وأدَّى الأمانة؛ وإِنَّما سمَّتْه قويّاً، لرفعه الحجر عن رأس البئر، وقيل: لأنه استقى بدلو لا يُقِلُّها إِلا العدد الكثير من الرجال، وسمَّته أميناً، لأنه امرها أن تمشيَ خلفه. وقال السدي: قال لها شعيب: قد رأيتِ قوَّته، فما يُدريكِ بأمانته؟ فحدَّثَتْه. قال المفسرون: فرغب فيه شعيب، فقال له: {إِنِّي أُريدُ أنْ أُنْكِحَكَ} أي: أُزوِّجِك {إِحدى ابنتيَّ هاتين على أن تأجُرَني ثمانيَ حِجَج} قال الفراء: تأجُرني وتأجِرني، بضم الجيم وكسرها، لغتان. قال الزجاج: والمعنى: تكون أجيراً لي ثماني سنين {فإن أتمتَ عَشْراً فمِنْ عِنْدِكَ} أي: فذلك تفضل منكَ، وليس بواجب عليك.
قوله تعالى: {وما أُريد أن أشُقَّ عليكَ} أي: في العَشْر {ستجدني إِن شاء اللّهُ من الصالِحِينَ} أي: في حُسْن الصُّحبة والوفاء بما قلت. {قال} له موسى {ذلكَ بيني وبَيْنَكَ} أي: ذلك الذي وصفتَ وشرطتَ عليَّ فلكَ، وما شرطتَ لي مِنْ تزويج إِحداهما فلي، فالأمر كذلك بيننا. وتم الكلام هاهنا. ثم قال {أيَّما الأجَلَين} يعني: الثمانيَ والعشر. قال أبو عبيدة ما زائدة.
قوله تعالى: {قضيتُ} أي: أتممتُ {فلا عُدْوانَ عَلَيَّ} أي: لا سبيل عَلَيَّ؛ والمعنى: لا تعتد عليَّ بأن تُلْزِمني أكثر منه {واللّهُ على ما نقولُ وكيل} قال الزجاج: أي: واللّهُ شاهِدُنا على ما عقدَ بعضُنا على بعض. واختلف العلماء في هذا الرجل الذي استأجر موسى على أربعة أقوال.
أحدها: أنه شُعيب نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا أكثر أهل التفسير، وفيه أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم يدل عليه، وبه قال وهب، ومقاتل.
والثاني: أنه صاحب مَدْيَن، واسمه يثرى، قاله ابن عباس.
والثالث: رجل من قوم شعيب، قاله الحسن.
والرابع: أنه يثرون ابن أخي شعيب، رواه عمرو بن مرَّة عن أبي عبيدة ابن عبد الله بن مسعود، وبه قال ابن السائب.
واختلفوا في التي تزوَّجها موسى من الابنتين على قولين.
أحدهما: الصغرى، روي عن ابن عباس.
والثاني: الكبرى، قاله مقاتل. وفي اسم التي تزوجها ثلاثة أقوال.
أحدها: صفوريا، حكاه أبو عمران الجوني.
والثاني: صفورة، قاله شعيب الجبائي.
والثالث: صبورا، قاله مقاتل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8